ميسون محمّد
وسط الحديث عن "سوريا القادمة"، تُدفع المرأة السورية مجدداً إلى الهامش، ليس عبر قرارات صريحة، بل من خلال إقصاء صامت وخطابات مموهة تعيد تعريف دورها بما ينسجم مع الموروث أو يبرره الظرف، إذ لوحظ إقصاء النساء على أكثر من صعيد، لا سيما في المجال السياسي ومراكز صنع القرار. فعلى سبيل المثال، تم تغييب النساء بشكل واضح عن المشهد الإعلامي، إذ اقتصرت الحملة الترويجية لقناة "الإخبارية السورية" وزيارة وفد من الناشطين والإعلاميين على حضور ذكوري كامل، رغم وجود مذيعات ضمن فريق القناة.
حصر النساء في أُطر رمزية
كما رصد موقع "سناك سوري"(1) المحلي خلال الفترة الممتدة من 2 إلى 6 شباط/ فبراير 2025، ضعف تمثيل النساء في الصور الرسمية المنشورة على صفحات محافظات سوريا. ففي محافظة حمص، على وجه التحديد، غابت النساء عن اللقاءات والاجتماعات الرسمية، واقتصر حضورهن على مشاهد هامشية، مثل حضور اجتماع لتشكيل لجان، أو ضمن حملة إنسانية، أو لحظة احتضان أم لابنها بعد الإفراج عنه.
إلى جانب ذلك، سُجّلت محاولات لفصل النساء عن الرجال في عدد من المحاكم، حيث مُنع المحامون والمحاميات من الاختلاط بموكّليهم وموكّلاتهم، كما ظهرت قرارات وإجراءات تهدف إلى فرض الفصل بين الجنسين في أماكن أخرى.
ورغم ما حملته الحكومة الجديدة، ذات الطابع الإسلامي، من وعود بالتحرر والتجديد، لا تزال المشاركة الفاعلة للنساء في مواقع القرار بعيدة عن التحقق. تقول رجاء التلي، من مؤسِسات "مركز المجتمع المدني والديمقراطي": "أي مراقب لتعيينات الإدارة السورية الجديدة يلحظ الإقصاء المتعمد والتهميش المقصود للنساء السوريات. نشعر، نحن النساء، أن سوريا لم تعد بلدنا، بل باتت حكراً على الرجال، رغم الأدوار الهائلة التي أدّتها النساء، والتضحيات التي قدّمنها من أجل بناء دولة ديمقراطية تضمن المساواة لكل السوريين والسوريات".
إشراك المرأة ليس استجابة لضغط دولي أو تنازلاً أمام خطاب حداثي، بل هو استجابة طبيعية لتاريخ طويل من التضحيات، واعتراف بأن إعادة بناء البلاد تتطلب عقل وجهد جميع أبنائها، نساءً ورجالاً.
ويكشف واقع المرحلة الجديدة عن استمرار توظيف التفسيرات الاجتماعية والدينية، المتأثرة بالعادات والموروثات القديمة، كأداة لتقييد دور النساء. فبدلاً من فتح المجال أمام مشاركة حقيقية، تُحصر النساء في أطر رمزية لا تتجاوز الواجهة الشكلية. وقد أشار تقرير نُشر في The Guardian إلى أن نسبة مشاركة النساء في الهيئات الحكومية العليا لا تزال متدنية، رغم الدور المحوري الذي أدّينه خلال الثورة.(2)
ذهنية الأدوار التقليدية

تؤكد حنان حليمة، المديرة القُطرية السابقة لمنظمة "نساء الآن" والمقيمة في سوريا، أن تمثيل النساء في الإدارة الجديدة لا يرقى إلى مستوى التضحيات التي قدمنها خلال الثورة. "وجود وزيرة واحدة فقط لا يمكن اعتباره تمثيلاً حقيقياً"، تقول حنان، "بل هو دليل على تهميش واضح لدور النساء، خاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، حيث كنّ في قلب الحدث".
وتتابع: "أنا ابنة ريف دمشق، وأتذكر تماماً كيف كانت النساء من يتكفّلن بتأمين احتياجات شباب الثورة، لأنهم لم يتمكنوا من مغادرة الغوطة بعد تحريرها. النساء هنّ من حمينهم من الاعتقال، وأدرن شؤون المجتمع المحلي، وكنّ في الصفوف الأمامية ضمن منظمات المجتمع المدني". وتُضيف حنان أنها سمعت خلال إحدى الورشات عبارة صادمة: "دور النساء انتهى بتحرير سوريا"، وهي عبارة ترى فيها احتقاراً صريحاً لكلّ ما قدمته النساء من جهد وتضحيات. كما انتقدت تمثيل النساء في مؤتمر الحوار، حيث لم تُشارك سوى امرأتين فقط، إحداهن أصبحت وزيرة، معتبرةً أن هذا وحده كافٍ ليعكس مدى التراجع في الاعتراف الحقيقي بدور النساء.
إن إعادة إنتاج هذا التقسيم ماهو إلا نتيجة لاستمرار تأثير مفاهيم تقليدية تُعيد قراءة الدور النسائي وفق معايير قديمة. وتعدُّ هذه الفجوة تحدياً حقيقياً يجب على القوى المدنية والسياسية معالجته بإعادة النظر في كيفية دمج النساء في جميع مستويات صنع القرار، باعتبار أن نجاح أي مشروع تحولي يرتكز على مساهمة كافة أطياف المجتمع.
دفاع صامت عن موقع المرأة

ورغم هذا الواقع القاسي، لم تتراجع النساء السوريات عن سعيهن الحثيث للانخراط الفعلي في الشأن العام. بل على العكس، شهدت السنوات الأخيرة انطلاقة عشرات المبادرات النسوية التي تعمل بصمت وإصرار داخل البلاد وفي الشتات، لتبقى حاضرة مؤثرة في المشهد العام. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها منظمات المجتمع المدني النسوية، سواء كانت تحديات تمويلية أو أمنية أو تشريعية، إلا أنها أصبحت اليوم تمثل أحد الخطوط الأمامية المدافعة عن حق النساء في المشاركة الفاعلة في القرار الوطني.
"الحركة السياسية النسوية السورية" في دمشق عقدت مؤتمراً يوم 8 كانون الثاني/ يناير طالبت فيه بشراكة فعلية للنساء في مواقع التأثير. لكن هذه الجهود لن تنجح إلّا إذا رافقتها قناعة أوسع لدى القوى المدنية والسياسية بأن القضية النسوية ليست مجرد قطاع منفصل، بل هي جوهر التحول الديمقراطي المنشود.
إشراك المرأة ليس استجابة لضغط دولي أو تنازلاً أمام خطاب حداثي، بل هو استجابة طبيعية لتاريخ طويل من التضحيات، واعتراف بأن إعادة بناء البلاد تتطلب عقل وجهد جميع أبنائها، نساءً ورجالاً.
(1) النساء في الخلف دائماً: نصف المجتمع خارج الصورة! - 17/ 4/ 2025
(2) ‘We’ve proved we can do anything’: the Syrian women who want a say in running the country - 5/ 1/ 2025
الصورة الرئيسية لأحمد عكاشة، من موقع بيكسلز.