هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)
الصورة الرئيسية: معارض المنتجات لمساعدة النساء الفلسطينيات - صفحة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع جمهورية مصر العربية
شيماء اليوسف
غادرت الصحفية الفلسطينية أميرة فتحي قطاع غزة برفقة أطفالها الثلاثة بعد السابع من أكتوبر، في أعقاب الحرب الإسرائيلية التي دمّرت كل شيء. تركت وراءها زوجها وعائلتها، وذكريات مبعثرة بين أنقاض منزلها. وصلت إلى مصر لاجئةً، تبحث عن الأمان، وعن وطنٍ بديل لا تسكنه أصوات القصف والخراب.
بعد وصولها إلى مصر، اكتشفت أميرة إصابتها بخلل في صمامات القلب. ومنذ تلك اللحظة، تفاقمت معاناتها وخوفها على أطفالها من بعدها.
عبر مجموعة "الصحفيات لبعضيها" على "فيسبوك"، وجدت أميرة ملاذاً آمناً للتعبير والتحدث عن تجربتها ومعاناتها، حيث احتضنتها زميلاتها المصريات، ووقفن إلى جانبها في محنتها. كما أنهن لم يترددن في أخذها إلى الطبيب، وتكفّلن بالعلاج والفحوصات الطبية التي بلغت نحو 4000 جنيه مصري (ما يعادل 80 دولاراً أميركياً) والذي كان رقماً كبيراً بالنسبة لامرأة هاربة من جحيم حرب غزة.
رغم أن أميرة لم تحصل على أوراق الإقامة ورغم أن الحياة خارج غزة لم تكن خالية من التعقيدات؛ إذ تصطدم يومياً بعقبات قانونية وإدارية تحول دون حصولها وأطفالها على أبسط الحقوق، كالتعليم والرعاية الصحية، إلا أنها وفي حيّ فيصل الشعبي، شرق محافظة الجيزة، وجدت صديقات قدمن لها الدعم النفسي، تقول أميرة لـ "ميدفيمنسوية": "نحن الفلسطينيين/ ات لا نملك الحق في الالتحاق بالمدارس المصرية، وحتى حين نجد مدرسة، تكون شروط التسجيل تعجيزية؛ يطلبون مثلاً شهادات دراسية ضاعت تحت القصف".
تحاول أميرة تعويض أبنائها عبر تسجيلهم في أكاديمية تعليمية خاصة، إضافة إلى متابعتهم الإلكترونية للمناهج الفلسطينية.
وبحسب السفير الفلسطيني (1) في القاهرة دياب اللوح، فإن عدد النازحين/ ات الفلسطينيين/ ات من قطاع غزة إلى مصر، منذ اندلاع أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى آيار/ مايو 2025 يتراوح بين 100,000 و115,000 نازح/ ة، وقد دخل جميعهم/ ن عبر معبر رفح الحدودي.
مصريات وفلسطينيات يصنعن الأمل
في الأيام الأولى للحرب، كان صوت الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في مصر حاضراً. تحكي آمال آغا رئيسة الاتحاد، لـ"ميدفيمنسوية" أنهن جمعن تبرعات من الجالية الفلسطينية ومن سيدات مصريات كالبطانيات، والأدوية، والمواد الغذائية... كل ذلك سُلّم مباشرة للهلال الأحمر المصري. وفي رمضان الماضي، الذي صادف شهر آذار/مارس 2024، شاركن في حملة واسعة بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي، وساهمن بتوزيع عدد من الطرود الغذائية على الأسر الفلسطينية المتضررة.
وتروي آمال بحماس قصة سيدة مصرية ظلت طوال سنوات تدعم الاتحاد منذ انتفاضة الأقصى. رغم ضائقتها المالية الأخيرة، اتصلت مع بداية العدوان الجديد قائلة: "أنا إمكانياتي قلت، لكن قلبي كما هو... كيف أقدر أساعد؟". وقررت تخصيص 100 دولارٍ أميركي شهرياً لدعم طالبتين فلسطينيتين.
ومن القصص التي لا تُنسى، تذكر آمال السيدة لبنى علَمة، التي حوّلت الأسواق التي تنظّمها إلى منصة أمل. حيث فتحت الأبواب مجاناً للنازحات الفلسطينيات ليعرضن مشغولاتهن، بينما تحملت السيدات المصريات رسوماً رمزية لدعم هذا العمل.
واجهت الأسرة تحديات جديدة في مصر، فقانونياً، لا يُعامل أفرادها كلاجئين ولا يحصلون على دعم لا من الدولة ولا من مفوضية اللاجئين.
وتختم آمال حديثها: "وصلتنا رسالة من سيدة مصرية مرفقة بألف دولار، كتبت فيها صاحبتها فقط: هذا لأطفال غزة… لا أستطيع أن أتحمل صورهم جرحى تحت القصف."
وكانت مصر قد أدخلت عبر معابرها أكثر من 35 ألف شاحنة مساعدات(3) محمّلة بما يزيد على 390 ألف طن من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والوقود والمياه. وأسهمت (4) وحدها بنسبة 80% من إجمالي المساعدات التي وصلت إلى القطاع. كما أرسلت 123 سيارة إسعاف وأكثر من 200 طن من المستلزمات الطبية، إضافة إلى توفير نحو 129,329 خيمة لإيواء النازحين حتى آيار/ مايو الجاري.
من سوريا إلى مصر: أسرة فلسطينية تكافح للبقاء
التقت "ميدفيمنسوية" بأسرةٍ فلسطينية لجأت من سوريا باتجاه مصر.
تنحدر الأسرة من مخيم اليرموك في دمشق، أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذي كان يضم نحو 160 ألف لاجئ/ ة قبل الحرب. لكن القصف والحصار منذ 2011 دمّرا المخيم ودفعا أكثر من 80% من سكانه للنزوح، بحسب "الأونروا".
واجهت الأسرة تحديات جديدة في مصر، فقانونياً، لا يُعامل أفرادها كلاجئين ولا يحصلون على دعم لا من الدولة ولا من مفوضية اللاجئين.
نجح الشاب المصري أحمد نجيب بأن يصبح صلة الوصل بين هذه الأسرة وبين مبادرات الخير، وفي جمع تبرعات لدعم الأسرة، وأحد أفرادها بحاجة إلى جلسات لغسيل كلوي بتكلفة 1200 جنيه (24 دولارًا) للجلسة.
يقول في حديثه لـ "ميدفيمنسوية": "هُم أقارب صديق فلسطيني يعيش في أستراليا، وقد تواصل معي وطلب مني مساعدتهم. بدأت بجمع التبرعات من الأقارب والمعارف، ثم ربطتهم ببعض مؤسسات المجتمع المدني، والتي رحبت بدورها بتقديم المساعدة".
رغم توقيع مصر على اتفاقية جنيف(5) لعام 1951، لا يُعامل الفلسطينيون/ ات كلاجئين/ ات، بل كـ"وافدين/ ات"، بموجب قرار جامعة الدول العربية لعام 1959 (رقم 1547)، الذي يمنع تجنيسهم أو اعتبارهم/ ن لاجئين/ ات رسميين/ ات حفاظاً على هويتهم/ن الوطنية. هذا الوضع يحرمهم من خدمات أساسية تُمنح للاجئين/ ات ، الرعاية الصحية المجانية أو الدعم المالي.
مأساة الحرب ووجع السرطان
نزحت عائشة من غزة إلى مصر، تحمل فوق كتفيها وجعين لا يُحتملان: الحرب والسرطان. فرت مع صغيرتيها بحثاً عن حياة ممكنة، وفي إحدى قرى محافظة الشرقية، وجدت قلوباً مفتوحة وجيراناً احتضنوها بمحبة.
تكاتفت نساء القرية لدعمها، وتناوبن على زيارتها طوال شهر رمضان، حاملات الطعام والهدايا، ورافقنها إلى الصلاة، في محاولة لتخفيف وطأة محنتها.
تروي عائشة لموقع "ميدفيمنسوية": "لما إجا العيد، أخذوا بناتي يلعبن معهم ووزعوا عليهن العيدية. شفت الفرحة في عيون بناتي، حسّيت للحظة إني ببلدي وبين أهلي وأحبابي".
وسط رماد الحرب في غزة وتدفق النازحات إلى مصر، برزت صحفية مصرية (فضّلت عدم كشف هويتها) توثق قصص الصمود والعطاء. بالتعاون مع زميلاتها.،
كانت هذه المبادرة العفوية من الجيران مصدر عزاء كبير لعائشة، إذ واصلوا/ ن دعمها والاطمئنان عليها، فخففوا عنها قسوة المرض والغربة والنزوح. إلى جانب ذلك، أُطلقت عدة مبادرات رسمية لدعم النازحين/ ات الفلسطينيين/ ات في مصر، من بينها مبادرة "مستورة"(6) التي عملت على توفير الطعام والمأوى للمحتاجين/ ات.
كما برزت مبادرة(7) "Connecting Gaza" التي ساهمت في توفير شرائح اتصال إلكترونية لمساعدة سكان غزة في التغلب على انقطاع وسائل الاتصال والإنترنت، إلى جانب جهود مؤسسة "أبواب الخير"، التي بدأت مع اندلاع الحرب واستمرت حتى نهاية نوفمبر 2023، حيث دعمت 104 حالات من العائلات الفلسطينية العالقة والطلبة في مصر بمبلغ 364 ألف جنيه (حوالي 12,100 دولار أمريكي). وفي كانون الأول/ ديسمبر، وسّعت المؤسسة نشاطها لتقديم الدعم لـ250 حالة جديدة بقيمة 875 ألف جنيه (حوالي 29,200 دولار أمريكي).
صحفية مصرية في قلب الأزمة
وسط رماد الحرب في غزة وتدفق النازحات إلى مصر، برزت صحفية مصرية (فضّلت عدم كشف هويتها) توثق قصص الصمود والعطاء. بالتعاون مع زميلاتها، شكّلت شبكة دعم لتقديم المساعدة للفلسطينيين/ ات في غزة والقاهرة، عبر جهود جماعية مع الأصدقاء والعائلات.
تقول لـ"ميدفيمنسوية": "منذ بداية الحرب، كان هدفنا الأساسي الوقوف إلى جانب أهلنا، وتمكّنا من توفير مساكن ودفع إيجارات لعائلات متضررة".
امتد دورها أيضاً إلى دعم مشاريع صغيرة تساعد الأسر على تحقيق دخل مستدام، من بينها قصة شابة فلسطينية نزحت مع أسرتها بعد اندلاع الحرب. تتابع الصحفية: "كانت ظروفها بالغة الصعوبة، وواصلنا دعمها على مدى عدة أشهر. لاحقاً، اقترحت وبمبادرة فردية أن نساعدها في إقامة مشروع صغير، وعلمنا أنها بارعة في إعداد المخبوزات الفلسطينية. وفّرنا لها فرناً والمواد الأولية، وبفضل مهارتها بدأت في إنتاج وبيع المخبوزات لجيرانها وسكان الحي". وهكذا أصبحت قادرة على إدارة شؤونها بنفسها ولم تعد بحاجة إلى أيّ دعم.
مصادر:
1) نحو 100 ألف فلسطيني من غزة وصلوا مصر منذ بدء الحرب - اشرق الأوسط
2) بالأرقام.. المساعدات المصرية لقطاع غزة منذ بدء العدوان - اليوم السابع
3) مصر تكشف حجم المساعدات لغزة منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار - سكاي نيوز
4) ما هي اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين
5) مبادرة مستورة - الحساب الرسمي على “الفيسبوك”
6) كيف كسرت مبادرة مصرية #ConnectingGaza حصار الاتصالات على غزة؟ مع ميرنا الهلباوي