الصورة الرئيسية من موقع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين
ياسمين عمر
"كنتُ وحدي. لا كاميرا ترافقني، ولا زميل يشهد على ما قيل لي في الشارع. استغل بعض المارّة غياب المصوّر وتواجدي بمفردي في قلب شارع الحبيب بورقيبة، أثناء تغطيتي لمظاهرة."
بهذه الكلمات وصفت مراسلة ميدانية تعمل مع قناة الجزيرة ما تعرضت له من مضايقات، ومنع من التغطية، على يد بعض المارة أثناء مزاولتها عملها الصحفي. ولم تتوقف الإهانات عند حدود التحرش أو العرقلة، بل بلغت حدّ التخوين بسبب عملها مع قناة لا يوافق البعض على خطها التحريري.: "قال لي أحدهم: لو لزمتي بيتك واعتنيتِ بأطفالك، لكان أفضل لك، ولكُنتِ صُنتِ كرامتك."
تعكس هذه الكلمات النظرة الدونية إلى المرأة العاملة عموماً، وإلى الصحفيات على وجه الخصوص، في ظل الطابع الذكوري الذي يحيط بمهنة محفوفة بالمخاطر.
الصحفيات في مرمى العنف... وغالباً بمفردهن
تواجه الصحفيات في تونس مضايقات متعددة بالإضافة إلى ما يتعرضن له داخل غرف التحرير وبيئات العمل. وليس ذلك لأنهن يحملن أقلاماً تكتب وتنقد، أو ميكروفونات وكاميرات تطرح الأسئلة، بل لأنهن نساء اقتحمن مجالاً يعجّ بالتحديات الأمنية، وتُحيط به أسلاك من الأفكار الذكورية والنظرة الفوقية الأبوية.
في هذا السياق، وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق لـ 3 أيار/ مايو 2025، أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تقريرها السنوي حول الحريات(2)، كاشفةً عن أرقام مقلقة، إذ تعرّضت الصحفيات لـ65 اعتداءٍ من أصل 167 حالة موثّقة، أي ما يقارب 40% من مجموع الانتهاكات.
ووفقاً لتصريح خولة شبح، منسقة وحدة رصد الانتهاكات في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، لـ "ميدفمنسوية": "سجّلت وحدة الرصد 50 حالة اعتداء ضد صحفيات كنّ بمفردهن تماماً أثناء وقوع الانتهاكات، دون أي حماية أو مرافقة مهنية. وتنوّعت هذه الحوادث بين 7 حالات تحريض، و15 مضايقة، و14 حالة منع من العمل، و5 اعتداءات لفظية، و3 اعتداءات جسدية، و9 حالات حجب معلومات، إضافةً إلى حالتي رقابة (صنصرة)، وتتبع عدلي، وحالة واحدة من التحرش الجنسي."
تقول خولة: "الفضاء الرقمي تحول إلى ساحةٍ مفتوحة للعنف الممنهج ضد الصحفيات".
بالإضافة إلى أن العديد من الصحفيات وجدن أنفسهن في مواجهة مباشرة مع العنف، دون أن يحظين بأي دعم فوري من المؤسسة أو زملاء العمل. فقد وثق التقرير 13 اعتداءً من أصل 65 اعتداءً ارتكزت مباشرة إلى النوع الاجتماعي، حيث استُخدمت ألفاظ تمييزية ذات طابع جنسيّ أو ذكوريّ لتقزيم الصحفيات والنيل من كرامتهن.
تُضيف خولة شبح: "رصدنا 6 حملات تحريض و4 حالات اعتداء لفظي تضمنت مصطلحات مهينة على أساس النوع الاجتماعي، وكان غالبية المعتدين في هذه الحالات من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي."
وهكذا، بات الفضاء الرقمي منصة لعنفٍ ممنهجٍ ضد النساء الإعلاميات، حيث يُستخدم خطاب ميزوجيني (كاره للنساء) يستهدف أجسادهن وجنسهن كسلاح للترهيب والإخضاع. بحسب تقرير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في آذار/ مارس 2025.
أكدت صحفية شابة تعمل في إحدى المؤسسات (رفضت الإفصاح عن اسمها) تعرضها لتحرش لفظي متكرر من مديرها المباشر، ورغم ذلك، لم تجد آلية واضحة للتبليغ داخل المؤسسة، كما نصحتها زميلاتها بـ"الصمت لتجنّب المشاكل".
رغم تأكيد الدستور التونسي على المساواة بين الجنسين، تواجه الصحفيات في تونس هشاشة مهنية ونوعية بسبب غياب سياسات وقائية في المؤسسات، مما يكرّس الإفلات من العقاب ويجعل العنف جزءاً "طبيعياً" من واقعهن الصحفي. ورغم صدور القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، والذي يُعدّ مكسبًا قانونيًا مهمًا، فإن تطبيقه داخل المؤسسات الإعلامية لا يزال محدودًا.
بات الفضاء الرقمي منصة لعنفٍ ممنهجٍ ضد النساء الإعلاميات، حيث يُستخدم خطاب ميزوجيني (كاره للنساء) يستهدف أجسادهن وجنسهن كسلاح للترهيب والإخضاع.
المرسوم عدد 54: سيف مُسلّط على حرية الصحافة والتعبير في تونس
يمثّل المرسوم عدد 54 لسنة 2022(2) تهديداً حقيقياً لحرية الصحافة في تونس، لما يحتويه من فصول صارمة وغامضة تُمكّن السلطة التنفيذية من استعمال القضاء كأداة قمع، وخصوصاً الفصل 24 الذي يجرّم نشر "أخبار أو إشاعات كاذبة" بذريعة "الإضرار بالأمن أو بثّ الرعب"، باستخدام مصطلحات فضفاضة تتعارض مع مبدأ الأمان القانوني والدستور والمعايير الدولية. كما تُثير فصول أخرى مثل 25 و28 مخاوف جديّة، لكونها تفتقر للدقة وقد تُستخدم لتجريم الصحفيين/ ات ومن يرفضون/ ن الكشف عن مصادرهم/ ن، مما يهدد حرية التعبير والصحافة الاستقصائية.
وفي هذا الإطار، تطالب نقابة الصحفيين التونسيين بإرساء آليات إنذار مبكر لحماية الصحفيات ميدانياً ورقمياً، وسنّ مواثيق داخلية ضد التحرش والعنف القائم على النوع، إضافة إلى توفير دعم قانوني ونفسي فوري، وتدريب الكوادر الإعلامية والإدارية على مقاربة النوع واحترام الحقوق.
ويجدر الاشارة إلى أن تونس تراجعت بـ11 مرتبة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نُشر في ماي الماضي من قبل منظمة “مراسلون بلا حدود”، وهو ما يعكس تدهورًا واضحًا في مناخ الحريات الصحفية ويؤكد الحاجة الملحّة إلى مراجعة الأطر القانونية والسياسات المؤسساتية بما يضمن بيئة آمنة ومُنصفة لجميع العاملين/ات في قطاع الإعلام