حاورتها: فاطمة البسّام
هل يمكن أن تحدثينا عن قصة فيلمك ومن هن النساء اللواتي يروين هذه الحكاية؟
دوللي، كرستينا، عايدة، ونهلة هنّ بطلات هذا الفيلم، نساء خضن رحلة مؤلمة من الهامش إلى المركز، متحديات سلطة "العيب" ونظرة المجتمع. بقوة الإرادة وكلفة الألم، تحوّلن إلى "ناجيات" يروين قصصهن بصوتهن، من دون وساطة أو تجميل. بين المراهقة والنضج، تتأمل النساء الأربع قضايا معقدة كالجنس، والهوية، والتحمّل، والتوقعات الاجتماعية التي تحاصر المرأة في المجتمعات العربية.
ماذا يعني أن تكوني امرأة في مجتمع ذكوري؟
أن تكوني امرأة في مجتمعٍ ذكوري، يعني أن تكوني في حالة مقاومة دائمة، وهو أمرٌ مرهق للغاية ولسنا بحاجة إليه، ولا يحمل في طيّاته شيئاً من الجمال. فكونك امرأة، يعني أن يُثقل كاهلك بأحكام مسبقة فقط لأنك أنثى، ويُمنع عليك الخطأ، لأن هناك من يترصّد أي زلّة ليجعل منها مبرّراً لتهميشك وإقصائك.
أن تكوني امرأة في مجتمعٍ ذكوري، يعني أن تكوني في حالة مقاومة دائمة، وهو أمرٌ مرهق للغاية ولسنا بحاجة إليه، ولا يحمل في طيّاته شيئاً من الجمال.
كيف كان عرض الفلم الوثائقي وتفاعل الجمهور معه؟
عُرض الفلم بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي، ضمن برنامج جديد يحمل عنوان "سينما ونَحكي". وقد لاقى تقديراً واسعاً، بحضور متنوع ضمّ ممثلي جمعياتٍ، وأشخاصٍ من الوسط السينمائي، إلى جانب أصدقاء وأفراد من الجمهور العام.
عقب العرض، شاركت الشخصيات الظاهرة في الوثائقي في حوار مباشر مع الحضور، حيث أجابوا/ ن أسئلتهم/ ن وفتحوا باب النقاش حول تجاربهم/ ن الشخصية. وقد شكّل حضورهم/ ن عنصراً محورياً، إذ أسهم في خلق تفاعل حيّ، وأتاح للجمهور فرصة التواصل العميق مع القضايا المطروحة.

لماذا اخترتِ الشكل الوثائقي؟
لأني أؤمن ألّا شيء يفوق الواقع قوة وتأثيراً. فتصوير الواقع، برأيي، أعمق وأصدق من أي نوع من الخيال. حين نكون على هذا القدر من الصراحة، ونتناول مواضيع يراها المجتمع من المحرّمات أو من الصعب التحدث عنها، نصل إلى قلوب الناس بصدق وشفافية. الواقع يحمل في جوهره قوة التأثير الأكبر.
من وجهة نظرك، كيف يمكن كسر دائرة العيب؟
البداية تكون بالكلام والمشاركة. حين نشارك تجاربنا، فإننا نمنح الآخرين فرصة لتفادي الوقوع في التجارب ذاتها، أو على الأقل نخفّف عنهم/ ن وطأة الألم والشعور بالوحدة. كنساء نمرّ بتجارب كثيرة، نقضي سنوات نحاول فيها لملمة ذواتنا والتعافي.
لا توجد مساحة حقيقية لاكتشاف الجسد، بل يزرع المجتمع فينا منذ الطفولة شعوراً بالخوف والعيب تجاهه. نخاف من الاقتراب من أجسادنا، من النظر إليها، من الإحساس بها، بل وحتى من الحب.
أشعر بالفخر لما تجاوزته في حياتي، وبقدرتي على الاستمرار، لكنني أتساءل في الوقت نفسه: هل كان من الضروري أن أقدّم كل هذه السنوات من عمري في سبيل الشفاء؟ أليس من الأفضل لو كنّا نعيش في مجتمع يحترم حرية الفرد، لا سيما حرية النساء؟ حينها، لكنا ركّزنا على كيف نعيش حياتنا، لا على كيف ننجو منها.
كيف تعبرين كمخرجة عن هذا الواقع سينمائياً؟
رغم قسوة الواقع وصعوبته، أؤمن بأن لي، كامرأة ومخرجة، مساحة للتعبير عن رؤيتي الفنية. اعتمدت في التصوير أسلوباً يعكس نظرتي إلى الحياة وطريقتي في التفاعل مع الواقع من حولي. حاولت تقديم هذا المحتوى الثقيل بحسّ سينمائي خفيف، وبأسلوب بصري بسيط، دون التفريط بعمق القضايا المطروحة أو بجديتها.

كيف تصفين علاقة النساء بأجسادهن في هذا المجتمع؟
من خلال تجربتي الشخصية وتواصلي مع عدد كبير من النساء، ألاحظ أن نسبةً كبيرةً منهن فقدن الصلة بأجسادهن بدرجات متفاوتة. هناك انقطاع أو غياب لذلك الرابط الطبيعي والبديهي مع الجسد.
لا توجد مساحة حقيقية لاكتشاف الجسد، بل يزرع المجتمع فينا منذ الطفولة شعوراً بالخوف والعيب تجاهه. نخاف من الاقتراب من أجسادنا، من النظر إليها، من الإحساس بها، بل وحتى من الحب. وغالباً ما نميل إلى اختيار ما يجعلنا "مقبولات" في نظر المجتمع، بدل أن نختار ما يمنحنا السعادة والراحة.
ما هي المشاريع التي تعملين عليها حالياً؟
أعمل حالياً على فيلمين قصيرين. الأول يتناول علاقة الجسد بالصدمة، أما الثاني فقد يتحوّل إلى فيلم طويل، يتناول أثر الحروب التي عشناها ونعيشها على الأجيال، لا سيما على النساء. أبحث من خلاله في كيفية تأثير تلك الحروب على حياتنا وكيف تشكّلها. المشروع شخصي جداً، بدأ من تجربتي الخاصة، ويتقاطع مع قصص لنساء أخريات مقربات مني.